رمضان في ربوع المشخاب أيام زمان

 


بقلم :عبد الزهرة الفتلاوي

المشخاب ارض زراعية كثيرة الخيرات تمتد على جانبي نهر الفرات تقع اسفل الهضبة الغربية من العراق جنوب النجف تتوسطها مدينة المشخاب ، بطول 25 كم وعرض 15 كم تقريبا ، تتداخل في هذه المقاطعة الانهار الرئيسة والفرعية مع اعداد هائلة من النخيل ، وتشتهر بزراعة الرز بانواعه وخاصة منها صنف العنبر الشهير , وتزرع فيها كذلك الحنطة والشعير والخضروات وتوجد فيها اعداد لاباس بها من الابقار والجاموس والماشية ، كانت القرية صغيرة اقل من 50 منزلا مبنية بالقصب والبردي وسعف النخيل ولم تكن القرية حينذاك تعرف الكهرباء ، حيث كانت الاضاءة تعتمد على ضوء القمر أو ضوء الفانوس ،  وكان النقل الى المدينة يتم مشيا على الاقدام أو ركوب الدواب أو عبر الزوارق 0كان الشيخ هو مالك الأرض والقاضي والرئيس ولا ينطق الفلاحين باسمه قط بل ينادونه بكلمة (مَحَفوظْ) ، وفي المشخاب القديمة عشرات الشيوخ من الملاكين الكبار



 ومئات من معاونيهم الصغار ، والزي الشعبي السائد هو اليشماغ والعقال والصاية لجميع الذكور البالغين سن الرشد ، ويمتلك كل بيت 3-5 كلاب للحراسة من اللصوص ، وعن رمضان أيام زمان حدثنا الحاج قيس شاكر علوان الفتلاوي وهو معلم متقاعد فقال : كان مضيف الشيخ هو الملتقى المسائي لعموم ابناء القرية وتسمى (الجِماعةْ : بجر الجيم وسكون الهاء) والمضيف المصنوع من لفائف القصب العملاقة دائما يوضع على مرتفع من الارض كدليل للضيف ووقاية له من مياه الفيضان ، وفي شهر رمضان وبعد الافطار ينساب أهل القرية الى المضايف بزوارقهم الصغيرة  الى المضيف لسماع مجلس الوعظ الديني من رجل يسمى (الروزخون ) أو المومن ، وتبادل الروايات والسوالف القديمة حتى السحور وكذلك النساء يتزاورن بينهن وكانت العادة ان تنظم جلسات في البيوت المعروفة ، ومن روزخونية المشخاب القديمة سيد جواد شبر ، شيخ عبد الفيداوي ، عبدالحسين العشر ، شيخ محمد الفيداوي ، ولا يمكن حصر المضايف في المشخاب لكثرتها ونذكر منها : مضيف الشيخ عبد العباس آل مزهر ، ومضيف سيد عبيد آل سيد هادي العرداوي ، ومضيف سيد حسن آل سيد شمخي ، كان المؤذن وهو شخص جهوري الصوت يرتقي اعلى مكان في دكة المضيف واشتهر في هذا المضمار غازي فارس ، مطلب آل حجي حاذور ، ومن طريف ماحدث في ايام رمضان ان المؤذن عندما اراد ان يؤذن ويصيح (الله أكبر ) صاح من دون وعي منه (أفطرو) ، أما المنادي للسحور ويسمى المسحرجي ، فكانت مجموعة من ثلاثة أشخاص تنساب مع مجرى النهر الرئيس وتدق على مجموعة من الصفائح الفارغة ولكن المثير والمخيف والممتع ان الكلاب تتجمع بإعداد كبيرة جدا على مجموعة المسحرجية وتنبح بأعلى اصواتها فتنهض القرية كلها منتفضة على هذا الجوق الهادر ، أما تبريد الماء في رمضان فتوجد ستة اواني فخارية عملاقة محاطة بالتراب تسمى كوز أو حب تملأ قبل يوم فيتبرد الماء ويسمى (ماء بيوتي) فيستهلك منه ثلاث اواني في الفطور وثلاث اواني في السحور ، أما في البيت فتوجد عدة اواني فخارية صغيرة تسمى كل منها(شَربةْ) يبرد فيها الماء بالطريقة نفسها ، وفي ليلة القدر توزع حلوى خاصة جدا وهي عبارة عن حلاوة التمر المحمصة مع الكزبرة وحبة الحلوة والدهن الحر (الدهن الحيواني ) حيث تتسابق الايادي لتفوز بقطعة من هذه الهدية الرمضانية ، وكان الاطفال يقبلون على الصوم لينالوا رضا الوالدين ثم رضا الله ، وابتكر الناس لاطفالهم الصوم على مراحل اي يصوم الطفل بعد الفطور الصباحي الى الظهر ثم يصوم بعد الغداء حتى موعد الافطار الرمضاني ليشارك الكبار الافطار وهذا أهم هدف في تفكير الاطفال  0 اما الاكل في رمضان فهو غالبا ما يتكون من الدبس والرز المطبوخ بالماش واللبن (الذي يسمى في الريف المشخابي روبة أو خاثر)



ومن المعتاد ان يقدم الشيخ وليمة افطار في احدى ليالي الخميس في رمضان فينحر عدة ذبائح أو يقدم للضيوف وجبة من دجاج الريف المسمى دجاج العرب ، ويقول محدثي ان احد الشيوخ عمل وليمة من عدة دجاجات فقام احدهم وهو من يوزع طعام المائدة فأخفى احدى الدجاجات في ردائه ، ثم اراد ان يقول للضيوف (تفضلوا ) صاح (بعد وحدة ) فقال الشيخ فتشوه ، فوجدوا الدجاجة التي أخفاها فتناوشته الايادي بالضرب السريع عن اليمين والشمال ، وبعد انتهاء الوليمة ومجلس الوعظ يبقى الضيوف يتحدثون عن قصص العرب وغرائب الحوادث حتى وقت السحور ، ومن اهم ما يقوم به الاطفال في رمضان في منتصف الشهر ما يسمى (الماجينة) المعروفة ايضا في المدن اذ تقوم مجموعات من الاطفال بالتجول بين البيوت يرددون (ماجينة ماجينة حلي الجيس وانطينه) فتعطيهم ربة البيت مالديها مثل الملبس والجكليت وما اعدته لهذه المناسبة مما ضنعته مثل (الكاكول) او (الكليجة) لينصرفوا الى بيت اخر 0

قبل العيد بأيام يقوم الأهل بإعداد الكاكول والكليجه وحلاوة التمر حيث تجتمع النسوة بعد الفطور للقيام بهذه الإعدادات ، أما  الأيام الثلاثة قبل العيد كانت لها اسماء هي :

أم الحلس  ، أم الوسخ  ، أم الكاكول اسمها وهي اسماء للنظافة مثل الحَمّام والحلاقة والاستعداد لمناسبة العيد.

وفي العيد يشتري الميسورون لأطفالهم  الذكور دشداشة ، وللإناث النفنوف ، ويجري شراء القماش من المدينة  بالدين على الاغلب ويكون التسديد بعد الحصول على عائدات الموسم الزراعي  ، تكون الوان ونقشات قماش نفانيف البنات متشابهة في كل عائلة اذ يشتري رب البيت قطعة قماش بعدة امتار لما يكفي البنات وقطعة للأولاد 0ومن عادة الناس في ذلك الزمان وضع الحناء في ايدي الاطفال والنساء في ليلة العيد رحمهم الله كلهم انهم أهلنا

أحدث أقدم