مصادر علم الامام علي(عليه السلام )

 


بقلم : عبد الزهرة تركي الفتلاوي

سؤال لابد منه يدور حول ينابيع علم الامام علي(ع)الذي مثل سابقة علمية وقفزة نوعية لامثيل لها فاقت كل التصورات و لا يمكن لاحد انكارها اذا أراد ان يكون موضوعيا في البحث ونزيها في القياس العلمي فما هي مصادره العلمية ؟ 1- القرآن الكريم : مصدر أساس ساهم في بناء هذا العقل الغزير والعلم الكثير ويتجلى ذلك واضحا عند قراءة خطبه في(نهج البلاغة ) وهو أشهر ما جمع من علومه فقد غاص في القرآن عميقا وتأثر بأسلوبه ، وامتلك في فهمه وادراك معانيه هيمنة مطلقة وكان اعلم الناس فيه بعد رسول الله(ص)وتنقل الروايات انه كان من أمناء الوحي . وروي عنه قوله(مأمن آية الا وقد علمت فيمن نزلت وأين نزلت في سهل او جبل وان بين جوانحي لعلما جما ) وكان يعرف قدر نفسه وأين موضعه من هذا السفر الجبار فقال(نحن الثقل الأصغر والقرآن الثقل الأكبر) (في القرآن نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم) وبلغ من اهتمامه بالقرآن حدا بعيدا فقال : ( لما قبض رسول الله- ص- اقسمت ان لا أضع ردائي على ظهري حتى أجمع مابين اللوحين ،فما وضعت ردائي على ظهري حتى جمعت القرآن) بر 2- المعلم العظيم :النبي محمد بن عبدالله(ص)ينبوع علمي آخر اغترف منه أمامنا بارتواء وامتلاء من دون انقطاع كان علي –ع- التلميذ الأمين لمعلمه فقد استجاب لتربيته منذ صباه ،فكان لا يفارق استاذه في حله وترحاله في حربه وفي سلمه وهنا نستعرض بعض اقوال علي(ع) في هذا المورد قال (ان رسول الله- ص- علمني الف باب من الحلال والحرام ومما كان ويكون الى يوم القيامة كل باب منها يفتح الف باب) (وضع النبي- ص– يده على صدري ودعا الله لي ان يملأ قلبي علما وفهما وحكما ونورا . فقلت يا نبي الله بأبي أنت وأمي منذ دعوت الله لي بما دعوت لم انس شيئا ) (كنت ادخل على رسول الله – ص – ليلا ونهارا ،وكنت أذا سألته أجابني وان سكت ابتدأني ،وما نزلت عليه آية الا قرأتها وعلمت تفسيرها وتأويلها ) ( معاشر الناس سلوني قبل ان تفقدوني ،هذا سفط هذا لعاب رسول الله – ص – هذا ما زقني رسول الله به زقا ) ( علمني رسول الله- ص – الف باب من العلم ) وعندما سئل الامام عن علمه أجاب (ليس هو بعلم غيب وانما هو تعلم من ذي علم ) وروي عن المعلم الأول محمد – ص - جملة من الاحاديث في هذا المورد منها (يا علي ما افرغ جبرائيل في صدري حرفا الا وقد افرغته في جوفك ) ( انا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب) (علي عيبة علمي ) العيبة :الوعاء واكد هذا المفهوم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب(رض) فقال (كان النبي يغز عليا بالعلم غزا 3- التراث الادبي للجزيرة العربية :- مصدر مهم ساهم في تكوين هذه الشخصية العلمية الكبيرة، يتضمن تراث العرب قبل الإسلام كم هائل من مفردات اللغة وقصائد الشعراء والحكم والامثال والوقائع وأسواق النقد الادبي وقد ادرك علي بن ابي طالب ذلك كله وليس جله ، وسيجد الباحث هذه الحقيقة شاخصة عند قراءة - شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد - وشرح نهج البلاغة لمحمد عبده . وهذا مقطع من وصيته لابنه الحسن – رضي الله عنه - كتبها اليه بحاضرين عند انصرافه من صفين يعطي دلالات بهذا المعنى (أي بني ،اني وان لم اكن عمرت عمر من كان قبلي ؛فقد نظرت في أعمالهم ،وفكرت في اخبارهم ،وسرت في آثارهم ،حتى عدت كأحدهم ،بل كأني – بما انتهى الي من امورهم – قد عمرت مع اولهم الى آخرهم ؛فعرفت صفو ذلك كله من كدره ونفعه من ضرره ، فاستخلصت لك من كل أمر نخيله – عصارته – وتوخيت لك جميلهعبقرية الامام علي :- النادرة وذكاؤه الحاد مصدر رابع ،ومن علامات ذكائه انه من بين قلة كانوا يعرفون القراءة والكتابة في مكة ،ولم يسجد لصنم قط ولم يلمس قلبه عقيدة وثنية وكان دائما فوق مستوى اقرانه الذين تعرضوا للتأثيرات الفكرية والميدانية نفسها ،ولا شك انه (ع) عرف ذلك وتنبه له حيث قال ( ان ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا ناطقا ) 5- الالهام الرباني :- او ما يسمى الإيحاء من دون وحي ،وهو نور يقذفه الله في قلب من يشاء من المؤمنين والأئمة والصالحين ،وقد ورد ذكر هذا المصدر العلمي في القرآن المجيد في مواضع عدة منها قوله تعالى (واوحينا الى ام موسى ان ارضعيه فاذا خفت عليه فالقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني انا رادوه اليك وجاعلوه من المرسلين ) (واوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ) والايحاء الى الخاصة من أصحاب الأنبياء حقيقة قرآنية شاخصة كما في الإيحاء الى الحواريين أصحاب النبي عيسى (ع) قال تعالى (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي) وفي علم الامامة يعبر عنها (نكت في القلوب ونقر في الاسماع ) قذف في القلوب :- الهام ، نقر في للأسماع :- صوت ملك دون صورته ان بعض علوم الامام علي – ع – واقتداره السريع والبديهي وسموه العقلي والعلمي لا يمكن تفسيرها الا باتصال نفسه الشريفة بالإلهام الغيبي ،ولا نريد ان ندخل في ماهية هذا الالهام او الإيحاء لأننا ركزنا دراستنا على المادة العلمية فلنقرأ هذا المقطع ونكتفي بآفاقه الروحية والقدسية (حضر رسول الله- ص – الموت وعلي عنده فلما قرب خروج نفسه قال له :- ضع يا علي رأسي في حجرك فقد جاء أمر الله فاذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك وتول أمري وصلي علي أول الناس ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي واستعن بالله) ويلاحظ المتتبع حدوث قفزة نوعية تطورية في علم الامام بعد وفاة المصطفى (ص) ولابد من التعليق هنا بعين النقد الى ما اشار اليه الاستاذ عباس محمود العقاد في كتابه – عبقرية الامام علي – اذ حاول التلميح بالقول ان علوم الامام علي كانت من نتائج البحث والدراسة والترجمة قال (لبث علي بن ابي طالب زهاء ثلاثين سنة منقطعا او يكاد عن جهاد الحكم والسياسة متفرغا او يكاد لفنون البحث والدراسةوأضاف (فالبداوة العربية لم تكن في الواقع معزولة عن ثقافة الامم المحيطة كالهند وفارس والروم ) ان اقوال السيد العقاد لا يمكن الركون اليها للاعتبارات التالية :- أ- لقد تكلم الامام علي عن أشياء لا تعرفها الأمم القديمة مطلقا كما هو شأن النبوءات العلمية مثلا وقد افردنا فصلا كاملا في هذا الكتاب لهذا المضمار. ب- ان العرب لم يدركوا الترجمة الا في عصور متأخرة بعد وفاة الامام علي (ع). ج- ان الجزيرة العربية كانت شبه معزولة عن محيطها الدولي فلم ترد رواية واحدة تذكر ان علما متداولا نقل الى مكة او المدينة او الكوفة وتلقاه الأمام علي-ع- بروح البحث والدراسة. د- ان عدد الذين يعرفون القراءة والكتابة لا يتجاوز عدد أصابع اليد على ما تذكر كتب التاريخ فكيف بالترجمة والنقل عن الأمم الأخرى. ه- ان ثلاثين سنة غير كافية لكي يمتلك الامام كل هذا العلم ولقد درس العلماء والكتاب (بما فيهم الأستاذ العقاد نفسه) خمسين أو ستين سنة من دون ان يتمكنوا من كتابة خطبة واحدة يمكن مقارنتها بما صدح به الامام علي (ع) وهناك عوامل أخرى أساسية ساهمت في صناعة السمو العلمي للإمام علي-ع- منها الايمان الصادق والتجربة المريرة والتفاعل مع الواقع والتفكير العميق. اننا في كل هذا لا نعني التقسيم الآلي لعلوم الامام بل نقول ان هذه الأركان قد تداخلت وامتزجت في تكوين هذه الأسطورة الخالدة في دنيا الحياة والراية الخفاقة في سماء العالم.

أحدث أقدم