معركة الرارنجية غرة تاريخ العراق

 


 عبد الزهرة تركي الفتلاوي  

تعد معركة الرارنجية (الرستمية) بحق غرة تاريخ العراق الحديث والمعاصر(حاولت السلطات البريطانية فك الحصار عن حاميتهم في الكوفة (فاوعز الجنراك هالدين قائد القوات البريطانية في العراق الى الكولونيل لوكن قائد الحامية البريطانية في الحلة ان يرسل جيشا من اجل ضرب العشائر الموجودة على طريق الحلة- الكفل وتقديم المساعدة للقوات الإنكليزية المحاصرة في الكوفة)

 (لذلك تحركت القوة البريطانية التي عرفت بـ رتل مانجستر نحو الكفل في 23 تموز 1920 بقيادة هارد كسل وكانت مؤلفة من سريتين خيالة الاسناد رقم 35 وبطرية رقم 39 مدفعية ميدان ، والفوج الثاني من كردوس مانجستر الذي كانت تعززه سرية واحدة ، وسرية الفنيين الهنود ومستشفى ميداني)  (وكان دليلهم شيخ عشيرة خفاجة ابراهيم السماوي وعند وصول الرتل الى ارض الرارنجية عسكر هناك ، عندما قرر الطبيب المرافق للجيش البرطاني ان الجنود بحاجة الى راحة مدتها 24 ساعة . أما ابراهيم السماوي فان ضميره استيقظ في اللحظات الاخيرة فانتهز فرصة تمكن خلالها من الخروج من الرتل لمدة ساعتين ذهب الى عشيرته سرا  فأخبر احد افراد عشيرته ويدعى راضي الابكع وارسله مع ثلاثة رجال الى قائد الثوار عبدالواحد الحاج سكر فوجدوه في قرية بني مسلم التي تقع غرب الرارنجية مع قوة كبيرة من الثوار

 

وحين علم عبدالواحد بالامر ارسل في الساعة نفسها احد الثوار واسمه حسن العذاري طالبا المزيد من الثوار لمساندة القوة المتواجدة في الرارنجية . وعندما وصل العذاري الى الكفل نادى باعلى صوته – اولاد ناصر – وهي نخوة آل فتلة عند الاستنجاد فهب القوم وتحركت الجموع نحو الرارنجية قبل غروب الشمس في يوم 24 تموز 1920 وكان ذلك اليوم شديد الحرارة  وكانوا يهوسون : رد مالك ملعب ويانة ، وحدثت هناك ملحمة خالدة في تاريخ العراق شاركت فيها عشائر العوابد وبني حسن وقسم من عشائر الشامية وكان آل فتلة في المقدمة . امر عبدالواحد والسيد علوان الياسري قواتهم بالهجوم على العدو من ثلاث جبهات وبعد نصف ساعة من المعركة الخاطفة امر القائد البريطاني قواته بالانسحاب الى الحلة مما اضطر الثوار الى استخدام السلاح الابيض لمقاتلة البريطانيين فاستمرت المعركة لمدة ست ساعات . كان القمر فيها يومذاك في ليلته التاسعة مما ساعد على اضاءة ساحة المعركة . التي انتهت بهروب من بقي على قيد الحياة من الانكليز والهنود)  

 

  الصورة مستلة من كتاب الحقائق الناصعة    

  (وترك الجيش االبريطاني في ارض المعركة مايزيد على الالف قتيل. وغنم الثوار اثنين وسبعين رشاشا من نوعي فيكرس ولويس ومدفع عيار 17 بوند وغنم الثوار عددا من الحيوانات وكميات من النقود والاطعمة . وكان الشيخ عبدالواحد آل سكر يدفع لكل من يأتيه برشاشة خمس عشرة  ليرة ذهبية( )  فجمع اربعين رشاشا ثم وزعها على الثوار مجانا كما وزع الحيوانات والنقود عليهم . وفي هذه المعركة غنم الثوار مدفعا كبيرا – وقد وصف هالدين معركة الرارنجية بـ الكارثة ، وان خسائرنا بلغت 20 قتيلا و60 جريحا و318 مفقودا و160 اسيرا ، وكتب قائلا : انني لا اتذكر في حياتي العسكرية دوامة حفلت بها بما حفلت به تلك الايام المليئة بالقلق العميق ، لقد غمرني هذا وأطبق على روحي وعقلي)  وفي حقيقة الامر ان خسائر البريطانيين في هذه المعركة اضعاف هذا العدد فضلا عن عدد كبير من الجرحى ومئات المفقودين وهذا ما استنتجته من لقاء شخصي لنا مع احد المشاركين في المعركة من افراد عشائر آل فتلة)  (أما خسائر الثوار فهي قليلة نسبيا وهي كالآتي

اسم العشيرة               عدد الشهداء           عدد الجرحى

عشائر آل فتلة (المشخاب)          38                           75

عشائر آل فتلة (الشامية)            15                         22   

عشيرة العوابد                       16                         36

متفرقة من العشائر                   6                           9

المجموع                            84                         158) 

 (وأعلن الشيخ عبدالواحد مكافأة تشجيعية مقدارها ليرة ذهب لمن يأتي  بجندي أسير وخمس ليرات ذهب لمن يأتيهم بضابط أسير)  (وتروي المصادر الشعبية المتواترة ان الثوار عملوا خدعة اربكت القوات البريطانية حيث  تسللت مجموعتان من الثوار وسط القوات البريطانية وبدأوا بالرمي باتجاهين متعاكسين مما جعل الإنكليز يتقاتلون  فيما بينهم وفي الوقت نفسه  ادخل رجال العشائر ثورا وسكبوا عليه النفط ثم احرقوه ودفعوه اثناء اشتداد المعارك باتجاه وسط القوات الانكليزية فسادت صفوفها الفوضى الكاملة)   

 

القائد العام للقوات البريطانية في العراق الجنرال هالدين

 (وبلغ عدد الاسرى الإنكليز مائة وستين اسيرا بينهم 79 انكليزيا و 81 هنديا وارسلوا الى الجعارة –الحيرة --  وانزلوا خانا كبيرا للسيد هادي زوين)  (وكانت حصة عشائر المشخاب من الاسرى في هذه المعركة احد عشر اسيرا)  ( وسحب الثوار المدفع الكبير الى مركز القيادة في الكفل وهم يحيطون به ويهوسون مخاطبين عبدالواحد الحاج سكر وكان قد رجع الى الكفل : جبنالك مدفع يا لهيبة ، وبعث عبدالواحد هذا المدفع الى الثوار المحاصرين للكوفة)   (لتحطيم باخرة فاير فلاين التي كانت في نهر الفرات  مقابل الثوار فضربوا الباخرة بقذيفتين الأولى اصابتها والثانية اشعلت فيها النيران فاحرقتها ثم غرقت) 

  وكتبت المس بيل في 2 آب 1920 أي بعد وقوع معركة الرارنجية (ان الوضع خطير ويمكن أن يصبح أكثر خطورة اذا ما حدث أي تأرجح في الميزان)   ويذكر المؤرخ  والضابط البريطاني لونكريك  بهذا الصدد: "تم ارسال رتل من كتيبة مانشستر على عجل لنجدة الكفل لكن هذا الرتل تعرض لسوء الحظ الى خسائر فادحة من القتلى والاسرى مما رفع من معنويات العشائر الثائرة" ويقول سندرسن باشا طبيب العائلة المالكة في العراق في مذكراته (لم يكن الهجوم متوقعا وقد استحكم الشر عندما راح أكثر افراد قواتنا يقاتلون بأيديهم وجها لوجه مع الثوار في سبيل انقاذ انفسهم من موت محقق)   (وجيء بالاسرى حفاة وبملابسهم الممزقة المغطاة بتراب المعركة ووجوهم شاحبة ووضعهم النجفيون في خان الشيلان ويوها صدر في النجف منشور مؤرخ في 12 تموز 1920 جاء فيه : لقد جيء امس بالاسرى من الكفل الى النجف والكوفة وكان عددهم 144 منهم 80 بريطانيا فيهم ضابطان و66 هنديا بين وثني ومسلم وسيخي ، فخرج اليهم الناس ووكل العلماء والرؤساء بهم من يتعهدهم ويقضي حوائجهم  فزار المسلمون منهم حرم الامام علي ثم سيروا مع رفاقهم الى الكوفة في عربات الترامواي ووقف بحراستهم ثلة من رجال الخفر الوطني ثم نقلوا الى الحيرة ووضعوا في دار السيد هادي زوين ثم اعيدوا ثانية الى النجف ووضعوا مرة أخرى في خان الشيلان قرابة أربعة اشهر)  واوكلت مهمة نقل الاسرى الى الشيخ سرتيب مزهر آل فرعون من مشايخ آل فتلة في المشخاب  وقد تركت هذه المعركة اثرا خالدا في الادب الشعبي  وعموم التراث الادبي العراقي.

أحدث أقدم