تحولات الشخصية اليهودية في الرواية العراقية . رواية أطياف خلاصجي للروائي ناظم جليل الموسوي .

 


ظاهر حبيب الكلابي .

تمظهرت حالة الشخصية اليهودية في بعض السرديات الروائية العراقية بالانطواء والتقوقع على الذات والخوف من حالة الاندماج الاجتماعي والوجداني وروح المغالبة والحرص  المادي أضف  لما  ولدته  طبيعة الصراع  العربي  الصهيوني من إرتكاسات في  هرمية العلاقة  وغياب  الحميمية وانعدام  الثقة بسبب الشحن الإعلامي والتشوية المتبادل بين الطرفين المتنازعين على مدى سبعين عاما  من الحروب الباردة والساخنة ،

وهذا   لا ينكر ان هناك أعمالا  روائية  تبنت  الموضوعية والموقف المحايد والمعالجة المنبثقة   من   مخاضات التجربة   في أمكنة    كانت مسرحا   في زمن   مضى لعلاقات وتجارب حياتية لأسر وشخصيات يهودية امتازت  بنزعتها  الإنسانية وتجربتها   الاقتصادية المعتمدة على نقاء السريرة ونظافة اليد  والذكاء الاقتصادي والمقدرة   على استشراف  المستقبل والمغامرة   في الصراع الاقتصادي  من غير   وجل ولأتردد  كالذي تعيشه البعض من شخصيات  التجار  من ديانات   أخرى   فالتاجر اليهودي  يحقق   أرباحا هائلة من  الإثراء السريع  والوسع في المغانم والممالك بسعي ومساعدة من فقراء الطوائف الدينية  الأخرى التي تكتفي بمغانم  ربحية  بسيطة  من جراء سعيها وتوسطها    للمشاركة  وراء هذا اللهاث التجاري المحموم في شراء الأراضي الزراعية من قبل الأسر اليهودية الأرستقراطية  ،

   لذا جاءت رواية أطياف خلاصجي للروائي العراقي ناظم جليل الموسوي  لتعيد   حكاية  الماضي  مع أسرة يهودية عراقية استوطنت مع غيرها من الأسر اليهودية مناطق متفرقة من مدن  الفرات الأوسط  وشكلت طيفا اجتماعيا  منسجما مع النسيج العراقي المختلف بقومياته  وطوائفه ، فكانت   أسرة عزرا داود  خلاصجي  الوريث لتاجر الفخار اليهودي  داود الذي  يهندس الأشكال الفخارية ويمنحها طاقة سحرية مضافة  بنقوش وطلاسم من  روحانية المعتقد  ، فكان دور الإبن الباحث عن الكنوز والتجارة المربحة تصادف  هوى في مشورة من ابي   موسى اليهودي  الروحاني العارف بمواطن الكنوز الفراتية بدفع التاجر  عزرا الراغب   نحو مواطن الأنبياء  والأجداد في مدينة  الكفل قرب مدينة بابل الفراتية  العراقية  ولكن أبا موسى  الخبير  بخبايا الأمكنة غير  وجهته    نحو منطقة الحميدية  وهي مناطق زراعية  شاسعة وقد تحققت نبوءة  أبا موسى فكانت الحميدية فتح الفتوح للعائلة الباحثة عن المال والتجارة المربحة ... تظهير 

منذ  خمس سنوات وأنا أفكر بالأمر أريدك أن تذهب لتنجز المهمة .. عن اية مهمة تتحدث .. حرر نقودك الجامدة ، بقاء الأموال بالخزائن كبقاء الذهب في توابيت الفراعنة .

الحميدية مدينة فيها كنوز ثمينة ومتنوعة ..

ا صحيح يا خالي .. نعم يا بليد

ظننتها امرأة جميلة . 

اعتمد السارد في تواليات الخطاب على ضمير المتكلم المشارك في صنع   الحدث وتوصيفاته وأخذ السرد تدرجا  أفقيا نحو  الأمام من دون قطع  مونتاجي استرجاعي أو استباقي لزمنية   السرد حيث  عمل الروائي على تبويب تمرحلات  مسروداته على شكل  أطياف  وهو جمع تكسير لعبارة طيف فكان كل طيف يعكس حالة  الحلم المتحقق صعودا نحو الثراء والتوسع في  الممالك والمغانم ، فقد عمل السرد  على إظهار عائلة عزرا داود بمظر  العائلة المنسجمة مع المجتمع والمتعاونة  مع الفقراء  والمحرومين  متخلصة من التهم المزمنة التي لصقت باليهود بالجشع وحيك الفتن  والمؤامرات 

 على مواطنيهم ،

جاءت الرواية بكونها رواية نص أكثر من كونها رواية أصوات  متصادمة ومتصارعة   وأن تعددت الشخصيات  في الرواية ولكنها أخذت هاجسا متطابقا في الحركة والتوجه والفعل وما  أعنيه الشخصيات اليهودية التي سردت الحكاية   فكان جل همها النجاح في الحياة والكسب الاقتصادي من دون وجل ولا تردد وهذا يعكس طبيعة وتحولات  الشخصية اليهودية التي تتوجس من الفشل في المجتمع  وترغب دوما في تزعم القيادة الاقتصادية والاجتماعية حيث ظهرت الرواية بهيمنة  راو  عليم  يركز على استنطاق المشاعر الجوانية للشخصية وتصوير المشاعر،

 مع تعدد الأحداث   وسعة

  حركة  الشخصيات في فضاءات  مطلقة  ومألوفة

 محببة و دعم الروائي محكياته بحالات قطع   في سردية الرواية عبر الحوارات التي تظهر التنوع وتعمق مشهدية ودرامية الحكاية  حيث يتنازل الراوي العليم عن تصدر السرد ليمنح  الرواية طابعا سرديات  حواريا والرواية تتعدد فيها البطولة من الجد داود الغائب جسدا والحاضر  قوة  وسطوة مادية وتاريخا فاعلا  الى الابن عزا الى  الأبناء اذ تقسم البطولة على هرمية زمنية نازلة من الأعلى الى الأدنى بأدوار متقاربة  مع حضور الراوي  البطل  والمشارك في هيمنته السردية ، حيث اقتربت الرواية من توصيف أعماق الشخصيات اليهودية وتحولاتها العميقة  ليس في واقعها المادي الخارجي بل في عمقها و تشكل  وعيها ونظرتها  للمستقبل وانتخاب أدوارها بكل إيجابية وإقبال على الحياة  من دون تردد أو هواجس من قلق .

كما لا ينكر  ان هناك أعمالا روائية عراقية معاصرة  قاربت أطياف خلاصجي في الفكرة والمعالجة السردية ففي رواية حب  عتيق للروائي علي لفته  سعيد كانت هناك  شخصيات  من طوائف  مختلفة  مؤتلفة على مسرح الحياة   في  مدينة سوق   الشيوخ  جنوب العراق  وكانت شخصية اليهودي البقال جاجو  تتوخى النفع وتمتهن الأنانية وتبتعد عن الضجيج السياسي والهوس الآيديولوجي الذي تقوقعت به الشخصيات  الأخرى من طوائف  تتبارى في انععالاتها الآيديولوجية   وشتامها اليومي  المعتاد بين البعثين والشيوعيين  فكان اليهودي  جاجو   يراقب ولا يشارك في ذلك الصخب المحموم الذي لن يجلب الا الصداع  ويهدر الكثير من الوقت والدراهم .

اما معالجة الروائي مهدي إزبين للطيف اليهودي العراقي المتفاعل بوجدانية وحميمية في رواية للمفتاح وجوه  عدة  فكان طافحا بالولاء للوطن والحنين الى ربوعه فهذه جماعة من اليهود العراقيين يرفضون الهجرة  الإلزامية في الأربعينات  نحو فلسطين  لولائهم لوطنهم   العراق واستنبات جذورهم الوطنية والاجتماعية  لعهود  غائرة في الشجن  العراقي أضف لما قدمته العائلة اليهودية من أصل عراقي في النمسا في سرديات الرواية من مساعدة للطفل العراقي المعاق حيث وافقت العائلة اليهودية بالتبرع بعظمة الساق   من ولدهم المتوفي بحادث مؤسف  الى الطفل العراقي حيث تجسدت الروح الإنسانية الطاعنة في عمقها الوطني  وثراءها الروحي  من توحيد المشاعر والأحاسيس لتفيض في تجلياتها  ذلك  العطاء والتوحد في القضايا المصيرية فأرادت  العائلة اليهودية من  ديمومة القدرة والحياة في الطفل العراقي المسلم  ديمومة  وجود ولدهم الغائب في تشكله الجديد عبر الفعل الإنساني

الخلاق  المترع  باكتمال الروح والجوهر في الفتى المسلم السالم من العلل والعوق ،

هكذا قارب السرد العراقي المعاصر  رؤاه   بحيادية وموضوعية   لتشكلات وتحولات الشخصية اليهودية  متحررا    من الأحكام  المسبقة  والأطر الجاهزة  في التقويم والوصف  معتمدا  تقديم الرؤية الحيادية العقلانية

بما  يخدم   موضوعية السرد

  ومسؤوليته امام التاريخ  والموقف الثقافي .

أحدث أقدم