شخصيات نجفية كتبت عنها الصحافة النجفية عام ١٩٤٩ (المرحوم الحاج عبد الرزاق شمسه .... أنموذجآ)

 

كتب / د. محمد عبد الهادي النويني

 

نشرت مجلة الغري النجفية بعددها ( ١٧ ، ١٨) المشترك من سنتها العاشرة الصادر بتأريخ ١٥ حزيران ١٩٤٩ المصادف ١٨ شعبان ١٣٦٨، علمآ أن مجلة الغري صدر العدد الأول منها بتاريخ ( ٦رجب ١٣٥٨ / ٢٢ آب ١٩٣٩) لصاحبها الشيخ عبد الرضا كاشف الغطاء (شيخ العراقين ١٨٩٦ - ١٩٦٨) ، و المقال بمناسبة مرور عامين على وفاة المرحوم الحاج عبد الرزاق شمسه ، فقد أرتأت مجلة الغري أن تعيد ذكراه في كلمة موجزة تقدمها لقرائها الكرام تكشف بها عما خفي من تأريخ حياته ، و تأريخ أسرته الحافل بجلائل الأعمال في خدمة النجف منذ أكثر من قرن ، تلك الأعمال الناصعة التي حجبها عن أعين الناس تواضع الرجل و أيثاره، العمل الصامت في خدمة بلاده على الدعاية الفارغة .

 

     كتبت أسرة المجلة المقال بإسم أسرة المجلة ( الغري) فيه ترجمة حياة المرحوم الحاج عبد الرزاق شمسه و جاء في المقال :

 

(( ولد المرحوم الحاج عبد الرزاق في بداية القرن الرابع عشر الهجري في بيت ثراء و يسار و ذيوع صيت و أستفاضة شهرة و عراقة في القدم بآل شمس الملًة و الدين المشهورين في عامل، وهم جميعاً من ذرية الإمام شمس الملًة و الدين الشيخ الجليل محمد بن جمال الدين مكي العاملي الحارثي الهمداني الشهير بالشهيد الأول رضوان الله تعالى عليه، المتوفى في أواخر القرن الثامن الهجري، وقتل بدمشق بفتوى قاضي المالكية ثم صلب ثم رجًم ثم حرًق ، و على إثر هذه الأضطهادات التي لقاها الناس هناك و ماصاحبها من قسوة و تنكيل جعل مؤسس هذا البيت من عامل منتسبآ الى عين شمسا و هي قرية من قرى عامل الرحيل متوجهآ الى مدينة النجف الأشرف في القرن التاسع .

 

     عرًف أولاده ( بآل شمسا) ثم أبدلت الألف هاء بمرور الزمن ، ولم يزل هذا البيت يتحف النجف بشخصيات لامعة تظهر على مسرحها و قد برز منه الشيخ عبد الحميد شمسا ، والشيخ كمال الدين عبد علي شمسا، و الحاج محمد رضا شمسا - حصلوا على فرمان السدانة في الحرم العلوي من السلطان سليم العثماني - وفي القرن الثالث عشر برز المرحومان الحاج حسين و الحاج حسن أولاد الشيخ محمد شمسا ، حيث أشتهر الأول بصلاته بالقبائل المتصلة بالنجف، و فتح داره لضيافة الوافدين منهم للزيارة، و كان الثاني ( وهو جد المترجم له) شيخآ مهيبآ جليل القدر واسع الشهرة عظيم النفوذ أثيرآ عند العلماء نافذآ في دوائر الدولة العثمانية، و من أجل مآثره بناؤه(خان النخيلة) بين النجف و كربلاء لضمان راحة الزائرين في ذلك العهد، و جهوده في العمل على إيصال الماء الى النجف،....، و كان بيته مهبط ولاة الدولة العثمانية و عظمائها الوافدين لزيارة النجف و برز من بعده أولاده السبعة متعاقبين على الوجاهة و الزعامة في البلد منهم الحاج محمد سعيد ( والد المترجم له)، و كان كأبيه شهرة و نفوذآ و هو أول من تولى رياسة بلدية النجف منذ عهد مدحت باشا (١٨٢٢-١٨٨٤) ، و برز من بعده أخوه محمد جواد شمسه الذي خلف أخاه في رياسة البلدية، وبعده أخوه الحاج باقر و كان على جانب عظيم أيضآ من النفوذ و السطوة مهيب الجانب لدى الأهليين و الحكومة و مواقفه من شوكت باشا قائمقام النجف حينذاك لا تزال ملء الاسماع و النوادي ، و في عهده زار النجف يوسف باشا والي بغداد و كان قد حل ضيفاً عليه فأقترح أسناد رياسة البلدية الى المرحوم الحاج عبد الرزاق و كان يومها شابآ ، و بقي رئيسآ للبلدية مدة العهد العثماني يسنده أعمامه الباقين)) .

 

     و من مواقفه نذكر ما نشرته مجلة الغري و بإختصار و منها :

 

(( لما قدم المشير محمد فاضل باشا الداغستاني الى النجف في الحرب العالمية الأولى لحمل العلماء على الأشتراك في الحرب بأسم الجهاد، فقام الحاج عبد الرزاق بدور الوسيط بين العلماء و الباشا بتقريب وجهات النظر ، و خرج هو رحمه الله مجاهدا مع المرحومان الشيخ جواد الجواهري و السيد محمد علي بحر العلوم ، و كانت له جهود عظيمة في أنقاذ النجف من بطش القائد التركي عاكف باشا ، و كان دوره بارزآ حين ثارت النجف على الأنجليز عام ١٣٣٦ هج و دوره خلال حصار النجف ، و بعد ثورة ١٩٢٠ اختير لرئاسة البلدية حتى عام ١٩٣٩ )).

 

     شارك المرحوم الحاج عبد الرزاق شمسه في أستقبال الملك فيصل الأول في البصرة و كان الملك يحل عليه ضيفآ خلال زيارة النجف، وبقيت داره مهبط ملوك و ملكات و أمراء و أميرات البيت الهاشمي منذ عهد جلالة الملك فيصل الأول حتى عهد جلالة الملك فيصل الثاني و حضرة صاحب السمو الملكي الوصي و ولي العهد.

 

    و كانت داره مهبط ملوك و أمراء عرب و أجانب و منهم ( شاه ايران السابق رضا شاه بهلوي و الأمير سيف الأسلام و غيرهم) .

 

    وقد أختير آخر أيامه رحمه الله نائبآ عن لواء كربلاء في مجلس الأمة و حتى وافاه الأجل في أواخر رجب عام ١٣٦٦ هج.

 

   و ما تجدر الإشارة اليه ما نشرته مجلة الغري النجفية في اخر المقال : (( وقد بلغ من تواضعه و نكران ذاته و أيثاره الخدمة الصامتة لبلاده على الدعاية الفارغة و الأعلان أن قلده شاه إيران السابق رضا شاه بهلوي وسامآ من أرفع الأوسمة الإيرانية في حفل خاص أقيم له بالقنصلية الإيرانية في النجف أعترافآ من الشاه بماله من الخدمات و لكنه رحمة الله جريآ على عادته في مثل هذه الأمور لم يقدم الوسام الى الجهات المختصة و لم يطلب الأذن بحمله)) .

 

 

 

هذا و للغري وطيد الأمل أن تجد في ولده الحاج محمد سعيد و بقية عمومته ما يحقق آمال النجف فيهم من خدمة لهذا البلد جريآ على ما أسنه لهم أسلافهم .

 
ملاحظة

 ١ ٠المعلومات و التواريخ كما نشرها مجلة الغري.

      ٢ ٠ أفادنا بهذه الأبيات في رثاء المرحوم الحاج عبد الرزاق شمسه ، مشكور الأستاذ زيد شمسه ،  ومما رثي به الحاج عبد الرزاق شمسه ماقاله الشاعر السيد موسى بحر العلوم مورخاً وفاته بالآتي:

 قد فقدتم ياآل شمسه شهماً...

 أنجبته أم العلى للمكارم

 فبكته البلاد حزناً وناحت....

 وأُقيمت عليه فيه المآتم

 فالبقا للسعيد أرخ دواماً...

 و(لعبد الرزاق تنعى المكارم) .

 

 

 


أحدث أقدم