كلام في السياسة: وثيقة كامبل والسياسة الامريكية في الشرق الأوسط

 

 


بقلم عبدالزهرة تركي الفتلاوي

 النجف – المشخاب

تتحرك السياسة الغربية في العلم وفق النظرية البرغماتية ورائدها الفيلسوف وليم جيمس 1839- 1914م  وجوهر هذه النظرية هو غض النظر عن الاشياء الاولى والمباديء والمقولات والاتجاه الى الاشياء الاخيرة أي الآثار والنتائج والوقائع الآنية بغية تحقيق النجاح . وبكلمات موجزة ان هدف السياسة الغربية عموما ومنها الامريكية هي تحقيق النجاح بغض النظر عن المباديء .ان هذه السياسة لايهمها من المباديء والتاريخ الا بقدر تاثيرها على الواقع الميداني. ومن مرتكزات هذه السياسة هو مايعرف بوثيقة مؤتمر كامبل الذي انعقد في لندن للمدة من 1905- 1907م وضم خبراء السياسة والتاريخ والاقتصاد والزراعة والجغرافية والبترول في كل من بريطانيا ، فرنسا ، هولندا ، بلجيكا ، اسبانيا ، ايطاليا والذي خرج بوثيقة سرية اسموها – وثيقة كامبل- نسبة الى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل بانرمان . واستعرض المؤتمر الأخطار التي يمكن ان تنطلق من تلك المستعمرات، فاستبعد قيام مثل تلك الأخطار في كل من الهند والشرق الأقصى وأفريقيا والمحيط الأطلسي والمحيط الهادي، نظراً لانشغالها بالمشاكل الدينية والعنصرية والطائفية، وبالتالي بُعدها عن العالم المتمدّن. وأن مصدر الخطر الحقيقي على الدول الاستعمارية، إنما يكمن في المناطق العربية من الدولة العثمانية، لا سيما بعد ان أظهرت شعوبها يقظة سياسية ووعياً قومياً ضد التدخل الأجنبي والهجرة اليهودية والحكم التركي أيضاً...

ويتابع المؤتمر، ليضيف، ان خطورة الشعب العربي تأتي من عوامل عدّة يملكها: وحدة التاريخ واللغة والثقافة والهدف والآمال وتزايد السكان... ولم ينس المؤتمر أيضاً، عوامل التقدم العلمي والفني والثقافي. ورأى المؤتمر ضرورة العمل على استمرار وضع المنطقة العربية متأخرا، وعلى ايجاد التفكك والتجزئة والانقسام وإنشاء دويلات مصطنعة تابعة للدول الأوروبية وخاضعة لسيطرتها. ولذا أكدوا فصل الجزء الأفريقي من المنطقة العربية عن جزئها الآسيوي، وضرورة إقامةالدولة العازلة   وهكذا قامت إسرائيل. وتوصلوا إلى نتيجة مفادها: "إن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار! لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي إلى القارتين الآسيوية والأفريقية وملتقى طرق العالم ، وأيضا هو مهد الأديان والحضارات". والإشكالية في هذا الشريان هو أنه كما ذكر في الوثيقة: " ويعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان

وأبرز ما جاء في توصيات المؤتمِرون في هذا المؤتمر:

1.     إبقاء شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة متأخرة، وعلى هذا الأساس قاموا بتقسيم دول العالم بالنسبة إليهم إلى ثلاث فئات:

      الفئة الأولى: دول الحضارة الغربية المسيحية (دول أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا) والواجب تجاه هذه الدول هو دعم هذه الدول ماديا وتقنيا لتصل إلى مستوى تلك الدول

      الفئة الثانية: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ولكن لا يوجد تصادم حضاري معها ولا تشكل تهديدا عليها (كدول أمريكا الجنوبية واليابان وكوريا وغيرها) والواجب تجاه هذه الدول هو احتواؤها وإمكانية دعمها بالقدر الذي لا يشكل تهديدا عليها وعلى تفوقها

      الفئة الثالثة: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ويوجد تصادم حضاري معها وتشكل تهديدا لتفوقها (وهي بالتحديد الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام) والواجب تجاه تلك الدول هو حرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية وعدم دعمها في هذا المجال ومحاربة أي اتجاه من هذه الدول لامتلاك العلوم التقنية

 وفق هذه الرؤيا استراتيجية تتحرك السياسة الغربية والامريكية ومن التطبيقات العملية للتوجه الغربي وفق توصيات وثيقة كامبل هذه انموذجات

انموذج 1- تحالف بريطانيا وفرنسا والدولة العثمانية لتدمير محاولة التقدم العلمي والتصنيع العسكري التي قام بها محمد علي باشا في مصر

انموذج 2- تدمير دولة الريف التي تزعمها عبدالكريم الخطابي في بلاد المغرب العربي على يد اسبانيا وفرنسا بالرغم من علاقاته الشخصية الوثيقة معهم بعد لاحظوا قيامه ببناء بعض المصانع والمعامل .

انموذج 3- ضرب تجربة جمال عبدالناصر في مصر بعد سعيه لاقامة التصنيع على مستويات متقدمة نسبيا وكذلك محاربة مصر اقتصاديا بشكل متواصل بحيث اصيبت بالشلل الاقتصادي الدائم لمنع النهضة العلمية لاكتشافهم المستوى العلمي المتقدم للفرد المصري .

انموذج 4- قبل ان نتطرق اليه لابد ان نؤشر ان النظام القائم في العراق قبل عقدين من الزمان نظام ظالم .  الانموذج هو تدمير العراق تدميرا كاملا لأنه حاول بناء مصانع متطورة بغض النظر عن ممارسات النظام البائد ان الدول الغربية فزعت من تلك المصانع التي  لاحظها وفد شركة جنرال في بغداد عام 1990 م

انموذج 5- الحصار الأمريكي الغربي على جمهورية ايران الاسلامية بالرغم من عدم وجود ذرائع (مثل غزو دولة مجاورة أو دعم الارهاب الخ)

وعلى صعيد تطبيق السياسة البرغماتية او فلسفة النجاح الميداني لاحظوا سادتي بعض النموذجات

انموذج 1- تحالف امريكا واتباعها مع ملوك وامراء الخليج في السعودية والكويت والبحرين وسلطنة عمان بالرغم من سياستهم الاستبدادية التي لا علاقة لها بالديمقراطية من بعيد او قريب.

انموذج 2- تاييدهم لانقلاب السيسي في مصر بالرغم من انه سجن الزعيم المنتخب.

انموذج 3- رفضهم لسجن غورباتشوف بعد محاولة الانقلاب عليه بحجة انه زعيم شرعي منتخبز

انموذج 4- صمتهم عن اريل شارون في مجازر صبرا وشاتلا واتهام الرئيس السوداني البشير بارتكاب جرائم حرب .

انموذج 5- تمزيق جميع قرارات الامم المتحدة عندما يتعلق الامر باسرائيل وتطبيق جميع قرارات الامم المتحدة عندما تعلق الامر بالعراق

خلاصة : ان سياسة الدول الغربية وامركا بوجه خاص قائمة على المرتكزات الآتية

1-    منع العرب والمسلمين من حيازة العلوم المادية المتطورة ولو اقتضى الامر اللجوء الى الحرب .

2-    حماية اسرائيل من جميع الاخطار المحدقة لانها مرتكز مادي وقاعدة حربية ثابتة في المشرق العربي

3-    حماية ذيول امركا في المنطقة والعالم بغض النظر عن الديمقراطية وحقوق الانسان

4-    التعامل مع النتائج اليومية بغض النظر عن المباديء بغية تحقيق النجاح.

5-   استخدام مبادي حقوق الانسان والديمقراطية والقانون الدولي عند الحاجة لخدمة مصالها.  

 

أحدث أقدم