تقنية المنولوج ورواية الشخصية في رواية البدلة البيضاء للسيد الرئيس للروائي علي لفتة سعيد

 

ظاهر حبيب الكلابي

يعاود الروائي علي لفتة سعيد في روايته البدلة البيضاء للسيد الرئيس الصادرة عن دار الفؤاد للنشر والتوزيع عام ٢٠٢١  إستمالة لغة التهكم من طرف خفي وبإسلوب النفس الطويل الممعن  عبر سرديات  اللغة في التمرحل بين عوالم الخارج والداخل الخارج المثخن  بلوثة   الحروب المتناسلة وقمع   الموالين للرئيس ذو البدلة البيضاء  قبل  الحرب والزي العسكري  الزيتوني   في يوميات حروبه الطائشة ، اما عالم الداخل فهو القلق الذي يمغنط شخصيات الرواية من البطل مدلول الطفل الذي كان توأم القلق والخوف يحتسي يومياته   بقرف وترقب في انتظار تحول ما ،

القلق الذي جاء مع فقد الأم القلب الحنون ، اليوميات التي أصيبت بالخواء وتكرار الخيبة بسبب الفقر  وحاجة الأب للعمل في   كورة للطابوق مع مراودة المرض والإختناق بالنفط والدخان السام ، والعيش برفقة زوجة الأب شكرية الباحثة   عن ملاذات  لإشباع   ايروتيكا الجسد المخضب  بالإنوثة والخصب  والجمال والهاربة من جسد  الأب   المثخن بالعجز  والمشبع    بروائح النفط الكريهة  ، تظهير سردي

ظل يسمع حديث الخياطة وهي تتغزل بزوجة أبيه من انه ريان وبض ومربوب وجاذب لعيون الرجال ، الجسد المحروم   من لذة الأصابع  وذوبان الغزل  جسد ممهور لرجل متوسط القامة مليء برائحة النفط الأسود والعابس   بوجه الحياة  والحامل   لهموم الدنيا .  ص١٠

لقد اتقن الروائي بناء شخصية مدلول الطفل الذي عانى الحرمان ووصم بالصمت المقرف حول كل مايراه  ويسمعه من  خيانة وبؤس   يتلهى    بصمته المستدام  امعانا    لولوجه مخاضات أمكنة الديستوبيا الأمكنة التي يسودها البؤس

والخوف وغياب  الفضيلة وهيمنة الرعب الجاثم   على النفوس من هواجس   التهم القادمة من  شتى السلطات التي يتسربل فيها  المخيل السردي  وهو يعاود تنقيبه في لاوعي  أبطال الرواية  شكرية الباحثة عن خصوبة اللذة وام ساهي الخياطة الباحثة عن المتعة   بخوف وقلق بعد    فقدان الزوج بحرب خاسرة في قوائم حروب   القائد    ذو البدلة البيضاء و ابو مدلول المنكسر  المهموم بفقره وحزنه  والذي يوصي ولده مدلول وهو  يطيل النظر  الى صورة  الرئيس ببدلته البيضاء  من اقتناص الفرص واللعب مع الزمن كيف  ما كان  مما ولد نزعة البحث عن سد العجز واتمام النقص في الشخصية فكان  الإرتماء  في أحضان   الدكتاتورية والتملق   لها رغبة   في الوصول  والهروب    من الماضي بكل خيباته وفضائحه وفضائح شكرية زوجة الأب لقد كان موت الأب صدمة قاسية خلفت رعبا مضاعفا في شخصية الفتى مدلول  من المجهول فكانت الفرصة مع مجيء الخال الشيوعي في الزمن السابق  والبعثي في حاضره   الذي أحدث   نقلة   تصادف هوى في نفسية    مدلول الباحث عن السلطة وتغيير الأمكنة بأخرى توفر  له وهم الحلم والرجولة فكان السفر  الى بغداد والتقرب من سلطة الحزب الأوحد وخدمة القائد ذو البدلة البيضاء برمزيتها المناقضة لروحانية اللون  وجاذبيته

وفيوض أمانه وبحبوحته ،

لقد كان اختيار  عنونة الرواية  متاخما للنقيض الوجودي والجمالي والفكري الذي يحاول الروائي تأكيده عبر تقنية التهكم الفاضح المستبطن في سرديات الراوي    العلم بضمير الغائب     وهو يفجر   مكبوتات    ابطاله الحبيسة عبر الأحلام الزائفة  والخيبة  وإستطالة  يوميات الفجيعة فصاحب البدلة البيضاء لم يورث لشعبه غير الخيبة   والموت    والفقر واللافتات السود التي توشحت فيها مدن الموت  كانت   نياشين   تخبر عن الشهداء الراحلين نحو  اليابسة وهم في   ريعان الشباب وربيع     الأمل ،   تظهير سردي .. انتهت الحرب والناس تفضل التذكير بمأساتها فتركت يافطات الحزن معلقة حتى أكلتها الشمس والريح والمطر علامة على البؤس، لم يمضي الوقت حتى تشتعل الحروب من جديد لتبدأ رحلة إنتهاء الاجساد لتتحول الى يافطات سود ومآتم للبكاء  ورايات للعشيرة  ومواكب للهتاف للسلطة وقيادتها . ص٨١

قسم الروائي الرواية الى قسمين قبل الرواية ومابعد الرواية ، هيمن السارد  العليم  ضمير الشخص الثالث  على فضاءات السرد في القسم الاول من الرواية  عبر رصد تحولات الفتى مدلول    المثخن  بالعجز والحرمان والمشارك في سرديات  الأسى الدائم  في حضوره الطاغي    على   سرديات باقي  الشخصيات  ووجه حركتها   ورسم   مصيرها بروية ودراية وهي تجتاز يوميات قرفها المعهود بصبر وهروب  دون جدوى للأمام الذي  يجدونه  مكرورا  بالأمس  بكل هوسه وثقله وجفاءه  لذا كان السرد وإستحصار الحدث   امرا  مفروغا  منه من سطوة القمع المسكوت عنه في السلم   والحرب   فالبسمات المتوالية من صاحب البدلة البيضاء  تستفرغ  فحيحها  اليومي  بهوس الإشتهاء وسادية التعويض ، فالكل يبحث عن التعويض لزمن مثخن بخيباته وقرفه فهناك قواسم مشتركة بين ماضي صاحب البدلة البيضاء  وبين مدلول فكل منهما عانى الفقر والفقد والصعلكة والحرمان ، والفتى مدلول يحاول مراودة لعبة الحظ وجنون الصدفة التي أوقعت  ذو البدلة البيضاء في نعومة من العيش وبحبوحة من السلطة والإرادةة والتسلط  فحاول سلوك دروب الطغيان   .

اما قسم مابعد الرواية فكان بتقنية ضمير السارد المتكلم كلي العلم  وهو البطل مدلول والذي عاود المجيء الى مدينته الناصرية بعد رحلة نحو التسلط  والتملق لخدمة الحزب   الأوحد والقائد الأوحد

حيث عمل الكاتب في القسم الثاني مابعد الرواية على تقنية   القطع   والحذف والإختصار لمراحل مثخنة بالحرب والموت والقهر عبر سرديات الراوي الأوحد مدلول الذي عانى من تأنيب الضمير  وتوالي الخسارات على وطن أنهكته متوايات الجنون  وهوس الحرب من لدن  ذو البدلة البيضاء ،

فتأتي  سرديات القسم الثاني لإستعادة  مرياث مدينة بأمكنتها وشوارعها وسحنة وجوه  شخوصها المكبلة بالدمع والفجيعة ، لقد عبر السارد عن مدى الخيبة   والإنكسار الذي عاشته الشخصية   التي حاولت التعويض عن سلطة الحب بالقوة والشفقة بالغطرسة والحياة بالموت والأمان بالقلق من إنتقام الناس  والتاريخ ، كان القسم الثاني مابعد الرواية مونلوج ذاتي يعاتب بمرارة كل لحظة

تنكر بها للزمان والمكان والناس وحميمية اللقاء والذي لم تقدر اية قوة في الارض عل تعويضه  بعد جسامة الفقد وو وهول الهزيمة ، تظهير سردي

هو ماعلي ان احكيه وأحدثكم وأرويه لكم الآن أتقلب بين الذاكرة  والزمن وأنوب عن الحكي بالكلمات  احاول جعل الأمر اكثر مقبولية لما كنت عليه وماصرت اليه وما انا عليه وفيه واحد وعشون عاما او احدى وعشرون سنة قحط من العمر الذي لم أجن   فيه غير تلك و اللحظات التي ترتبط  ارتباطا وثيقا بعلة الحياة نفسها .ص٧٥

الأشهر الأولى في بغداد  أحمل عنفوان الشباب الذي لايريد ان يلين يحمل وصايا الأب وحكمة الخال واصرار من يريد التغلب على نقصانه .. ومثلما تحولت شوارع الشطرة الى صور لصدام حسين  فقد صارت شوارع بغداد كذلك صورة الرئيس صدام   وإستلامه للحكم  صور هي بالنسبة لي  وحدها  من تجعلني امسح كل التاريخ و الموجع من الكوادةوو والفقر والعوز  وانتقاص الآخرين    وقلة التعليم  واليتم   والنفط الأسود .. صورة    تجعلني أغني بأي طور أريد وبأي شجن أفضل ..

لاشيء لايمكن تأييده للرئيس حتى لو قام بإعدام نصف الشعب، فالحقيقة وحدها  حقيقتي أنا وليس حقيقة المعاني . الصمت الذي عشت فيه سيتمزق ، حينها سأكون في منطقة يخافني الناس ويهابوني .. انها لحظة التاريخ . ص١١٦

هكذا تمكن الروائي وعبر تقنية المنلوج الداخلي من الغور عميقا في نفسية البطل مدلول وتعرية ذاته وتسفيه كافة المبررات النفسية والسلطوية كأدوات لتحقيق الذات على شفا جرف هار ،

فتكشفت الضمائر  بتوالي خساراتها وخيبتها من الركن السلطوي المتهاوي بالهزائم المتوالية  ومن    انعدام المحبة والثقة   بالناس والمدينة والأمكنة المستباحة بالموت والحروب

أحدث أقدم