قراءة سيمائية في خطاب السيد مقتدى الصدر..

 

نعمه العبادي

ألقى السيد مقتدى الصدر مساء الخميس ١٨ تشرين الثاني كلمة مقتضبة بحضور عدد كبير من وسائل الاعلام، وتحدث فيها عن رؤيته لمستقبل تشكيل الحكومة وموقفه من القوى الاخرى، ونظراً لأهميتها وخصوصية الظروف التي ظهرت فيها، أتناولها بقراءة موجزة للوقوف على ما ورائياتها وما يمكن ان تؤسس له من واقع عملي على أثر حالة (التدافع/التصارع) حول شرعية الانتخابات، وصحة نتائجها، والمنهج الاسلم للتعاطي مع مخرجاتها في رسم خارطة توزيع السلطة للمرحلة القادمة، إذ تأشر لدي الآتي:

١- يكشف شكل ومضمون ودلالات الكلمة الحسية والمعنوية عن (خلفية غير مرتاحة) جاءت في سياقها، ويظهر التوتر والانزعاج واضحاً في طريقة الوقوف، ونبرة الصوت، وبعض الأخطاء أثناء القراءة، ونمط تكرار الجمل، والتعليق على السؤال فضلاً عن المحتوى ذي اللهجة النارية.

٢- أعلن الصدر ان متسع النقاش والحوار يكاد يصل إلى منتهاه، وعلل ذلك بحاجة الشعب لحسم الامور وتشكيل الحكومة، والحاجة الضرورية لذلك، وبين بلغة واضحة موقفه من حراك الاتجاه الاخر الذي لا يزال يتحدث عن طعون في النتائج ورغبة في اعادة العد والفرز الكلي بل واعادة الانتخابات.

٣- مقدمة الخطاب وفقراته توضح بشكل كبير انعدام فرصة التوافق في شراكة على اساس حكومة توافقية على الاقل في ظل كواليس لحظة ظهور الخطاب.

٤- من الواضح انه افترض نفسه مركز مشروعية تشكيل الحكومة، وبناء على هذا الافتراض وجه دعوته لمن يريد المشاركة في الحكومة، والكلام بحسب السياق موجه الى اطراف الاطار التنسيقي، بل الى اطراف محددة من الاطار التنسيقي، وعرض شروطه للمشاركة.

٥- عند النظر في الشروط فإن معظمها، لا يمكن تطبيقه عمليا كمقدمة للمشاركة في الحكومة، فمثلا شرط محاسبة الفاسدين وابعادهم، يتعلق بملف معقد وطويل الذيل، ويقع الخلاف حول معايره ومن يتولى المحاسبة وعلى اي شيء تتم المحاسبة تحديدا، وهل يحاسب الاطراف الذين يشتركون بشكل فعلي في الحكومة ام الجميع، وهكذا شرط ضبط العلاقات الخارجية، وطريقة التواصل مع الخارج، وحل الفصائل وتسليم سلاحها، واصلاح الحشد، فكلها شروط لا تتعلق بشكل مباشر بتشكيل الحكومة (فنياً)،   وهي مستحيلة عملياً في هذا التوقيت، فمع جدية التطبيق تحتاج الى سنين لجهة تنفيذها وكذلك التأكد من نتائجها، وهو ما لا يرضاه السيد مقتدى ولا اي طرف معني بتشكيل الحكومة.

٦- الواضح من الشروط انها لا تتعلق حقيقة بشراكة الحكومة، بل بشراكة المسار السياسي، فكأن الصدر يشترط على مخاطبيه الذين يعلمهم تحديداً ويعلمونهم هم ايضا، بأن مسار العلاقة معهم في اطار العملية السياسية مشروط بهذه المحددات، وفي ذات الوقت تستبطن الشروط موقف صدري من ضرورة تطبيق تلك الشروط (حتى مع عدم رغبة اطرافها) إذا وصلت الحكومة إلى الصدريين وأصبح الامر بيدهم على الاقل في جزء مهم منها.

٧- بحساب عملي وواقعي، لا مجال  لإستجابة من الاطراف التي خاطبها الصدر بعنوان رضاهم وموافقتهم على شروطه، ولا مجال لموافقة الطرفين الكوردي والسني بالمضي بتشكيل حكومة بدون التيار الصدري، ولا يمكن الحديث عن تشكيل حكومة خالية من الشيعة، وعليه يدور الامر بين تشكيل الحكومة على وفق المطلب الصدري (اغلبية وطنية) إذا وافق الطرفان الكوردي والسني على شراكته منفرداً، او ان يذهب الصدريون الى المعارضة طواعية، ويسمحون للاطراف الكوردية والسنية بتشكيل الحكومة مع المتبقي من الشيعة، وفي كل هذه الصور، نحن امام اختناقات قاتلة ومآزق محتملة جدا، وتعقيد كبير في تمرير الامور.


 ٨- هناك خيار يمكن تسميته بالتوافقية الناقصة، والذي يعني مشاركة التيار الصدري مع بعض قوى الاطار دون شراكة الاطراف الذين وجهت لهم الاشتراطات حصريا في خطاب الصدر، وهذا يعتمد على مواقف القوى الاخرى وظروف داعمة.

٩- مجمل الخطاب يمكن تعريفه بأنهم رفع لسقف المواجهة مع الاضداد، وتقديم معادل موضوعي لسقف التصعيد المتبنى من قبل القوى الرافضة، والتي تتحدث عن رغبة راجحة في رفض نتائج الانتخابات واعادتها في موعد لاحق.

١٠- الخلاصة: المشهد يقوم على أساس فلسفة (لي الاذرع)، وقد عاد التدافع الى نقطة تصعيد اشد لهجة، الامر الذي يعني، اننا سنمر في مرحلة اختبار قوة، يعقبها تسويات تقوم على اساس شروط المنتصر عمليا، يتم في اطارها صياغة مشهد الحكومة القادم، بل عموم المشهد السياسي، وهو مشهد يأكل من جرف الشيعة الكثير.


أحدث أقدم